قصتي مع الجوناز  

يعرّف الكتاب الهندي الشهير "الباجاد فاجايتا" الجوناز الثلاث على انها ثلاث صفات للطبيعة من حولنا تتجسد بداخلنا وتتواجد فينا مجتمعة على شكل خليط من الصفات والسلوكيات والاحاسيس والاوهام. حسب الحالة النفسية التي نمر بها او الفترة الزمنية التي نعيشها او الاوضاع التي تتحكم بنا تسود احيانا صفة من هذه الصفات الثلاث في حياتنا ونتماهى معها

الجوناز الثلاث  تشبه الصورة اعلاه، صفات بحالة تداخل دائم وعندما يطرأ حدث ما في حياتنا يدعو للقلق اوالخوف نتأرجح بين تلك الحالات الثلاث والتي ينبغي مراقبتها للتاكد من احداث توازن بينها وتجنب ان تسود حالة على اخرى وهذا السعي الدائم للتوازن الداخلى هو التطور بعينه نحو الافضل.

الجوناز الثلاث هي: التاماساك وهي حالة  تشبه موسم الصيف الثقيل بحرارته  والذي يدفعنا للنوم وعدم الحركة والانقطاع عن التفاعل مع ما حولنا من امورحياتية وبالتالي نشعر بثقل والرغبة في الانعزال اوالاكتئاب.

اما حالة الراجاس تعبر عن حالة القلق والخوف الذي ينتابنا في الحياة والذي نعبرعنه بحاجتنا الدائمة للحركة والخروج والتفاعل الدائم مع الاخرين للتسلية او لقضاء حاجياتنا اولتوفير لقمة العيش وعدم الرغبة بالجلوس لوحدنا اوللتامل كأن الشخص يسعى دائما نحو هدف لا يعرفه اولا يمكن الوصول اليه،هي حالة من السعي الدائم للحركة دون تركيز او دون وجود هدف معين كأننا نهرب من شيء ما.

اما حالة الساتفا فهي حالة من السكينة الداخلية اوالنقاء الداخلي، هي الهدوء والرقة والانسجام مع المحيط والتركيز والامتنان والتعاطف مع النفس اولا ثم مع الاخرين وهي حالة تنشأ لعدم وجود تعلق بالاشياء المادية ونتيجة للتخلص من الخوف والقلق.  

  ساطرح قصتي كمثال على تأرجح هذه الحالات في حياتنا، في فترة سابقة من حياتي عندما استقلت من عملي، كنت أمُر في مرحلة يمكن وصفها ب "تاماسيك"كانت مرحلة اشعر فيها بالثقل والتعب والفراغ والاكتئاب وحاجتي للانعزال وحتى اني كنت اجد نفسي في بعض اللحظات الضاغطة عاجزة عن التقاط النَفَس. وكنت كأني وصلت الى سد منيع ولم افهم ماذا كان يحصل لي. كان ينقصني الوعي الكافي لفهم ما يحدث.

 بدأ التغيير عندما قررت ان اتخلص من بعض الوزن الزائد الذي تراكم اثناء مرحلة "التاماس". فجاءت صورة الطعام السريع والغير صحي المعروضة في لقاء ما لتذكرني ببداية التحول. زرت عددا من النوادي القريبة من بيتي ابحث عن حصة يوغا، فلم اجد ما يناسبني فالتحقت بحصة ايروبيك عادية وفقدت جزءا من الوزن الزائد واكتسبت بعضا من القوة الجسدية.

ذهبت ابحث عن حصة يوغا، وبعد سته اشهر جاءت معلمة يوغا جديدة الى حصة الايروبيك،  احب ان ادعوها "الجورو" او معلمتي الروحانية، جاءت لتدعونا الى حضور حصص اليوغا التي تؤديها في نفس النادي. فذهبت على الفور وحضرت حصصها لمدة ستة اشهر. وبدأت مرحلة الراجاس. اصبحت اكثر نشاطا وتلهفا لحضور الحصص، كانت معلمتي بعد الشافاسانا تقرأ لنا بعض الاقتباسات الشهيرة لمعلمي اليوغا والمتصوفين والمتأملين المعروفين ويبدأ احيانا نقاشا جميلا معها، وكانت تتحدث عن اشياء كثيرة منها طاقة السماء والنجوم وتزاحمت الاسئلة في ذهني ولم تحضراي اجابات على الاطلاق فزادت الحيرة وزاد القلق.

تقدمت معلمتي نحوي يوما ما قبل بداية الحصة، قالت لي: " انا اعلًم التامل، مجانا، اذا كنت ترغبين التعلم فانا مستعدة". فقبلت. التقينا في التلال المحيطة لبيتي ثلاث مرات، وكاد اللقاء الثالث الا يحصل لانه كان مقرر لها ان تسافراليوم التالي، اقترحَت  علي ان استمر بحضور حصص اليوغا فودعتها وشكرتها ولم تكن اي منا تعلم كم سيكون التأمل ركنا مهما في حياتي.

حَضَرت اليوغا في حياتي، وحَضَر التأمل، وحَضَر الفلك، ثلاث ادوات اصطحبتني الى مرحلة "الساتفا" ودراسة الذات والتوجه للداخل لأجد بعض الاجابات للاسئلة التي كانت بداخلي.

حضر التأمل على شكل زائر اسبوعي ليسد الفراغ وقدم لي بعض الوعي والفهم، وقدمت اليوغا لي التجذر الكافي وتوقفت عن الهروب في احلام اليقظة وبعد ايجاد الخارطة الفلكية الخاصة بي قضيت سنوات اتعلم الفلك وفك رموز الخارطة لفهم ما تعنيه لحظة خروجي من رحم امي. فوجدتها مليئة بالاجوبة وتشير بوضوح الى العودة الى الداخل. كانت الخارطة تقول لي "انظري الى مشاعرك، ابدأي هناك، ابدأي بالنظر الى نفسك."  

كانت المفاجأة عندما وجدت الخارطة تشيرالى التوقيت الذي سألتقي به بالمعلمة الروحانية الخاصة بي، وفعلا خلال تلك السنوات الثلاث التقيتها. كانت تشير الخارطة وبشكل صارخ الى اهمية اتباعي تجارب فعلية وحسية في علوم متنوعة ومختلفة في مجالات تجمع بين الروحانيات والاديان المختلفة والثقافات المتنوعة فتلك هي مهمة الروح لدي. كانت تشيرايضا الى استخدامي هذه الاداة اي الفلك، وكانت المعيقات واضحة في الخارطة اي الكارما، الكارما لدي تقبع في اعلى نقطة في خارطتي. كانت تتنبأ بجلوسي في البيت، هناك ما يعيق خروجي، كان لابد ان يحدث لي ما حدث، تلك هي الكارما؛ ما وجب حرقه اوما وجب حدوثه، ليس نكاية بي بل لاجلي، لاجل التطور نحوهدف الروح اي نحو حياة اكثر وعيا لذاتي وذو معنى وبالتالي اكثر قربا من الله سبحانه وتعالى، فكل انسان سيتطورحسب التوقيت المناسب له وحسب الدرس الحتمي المكتوب له، كل حسب الكارما الخاصة به. 

وفي المرحلة الآنية تتواجد الجونات الثلاث سويا؛ لم اتخلص من التاماس والراجاس


بعد ولا أعلم اذا كان الامر ممكنا اصلا، بل بدأت اتعمق بهما وربما افهمهما. الرحلة 
اشبه بهوة سحيقة لا نسقط بها بل نتسلقها رويدا رويدا

Comments

Popular posts from this blog

Sumud: Each Gen Has Its Gem

The Sacrifice: Two Fronts. The Trojan Horse of Gaza: A Red Heifer?

Gaza Has Fragmented Me